من أسباب رفع البلاء: الرجوع واللجوء إلى الله تبارك وتعالى
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].
معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾:
قال الحافظ ابن كثير: في "تفسيره" (3/ 534): يُخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، أنهم ﴿ إِذَا مَسَّهُمْ ﴾ أي: أصابهم طيفٌ ـ وقرأ آخرون: طائفٌ ـ وقد جاء فيه حديث، وهما قراءتان مشهورتان، فقيل: بمعنى واحد، وقيل: بينهما فرق.
ومنهم من فسَّر ذلك: بالغضب.
ومنهم من فسره: بمس الشيطان بالصرع ونحوه.
ومنهم من فسره: بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب.
وقوله: ﴿ تَذَكَّرُواْ ﴾؛ أي: عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا إليه من قريب.
قوله: ﴿ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾؛ أي: قد استقاموا، وصحُّوا مما كانوا فيه.
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه، ها هنا حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها طيف، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يشفيني، فقال: (إن شئتِ دعوت اللهَ فشفاك، وإن شئتِ فاصبري، ولا حساب عليكِ)، فقالت: بل أصبر، ولا حساب عليَّ[1].
ورواه غير واحد من أهل السنن[2]، وعندهم: قالت: يا رسول الله، إني أصرع وأتكشف، فادع الله أن يشفيني، فقال: (إن شئتِ دعوت الله أن يشفيكِ، وإن شئت صبرتِ ولكِ الجنة؟)، فقالت: بل أصبر، وليَ الجنة، ولكن ادع الله ألا أتكشف، فدعا لها، فكانت لا تتكشَّف.
وأخرجه الحاكم في "مستدركه"[3]، وقال: صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرجاه؛ ا.هـ.
ثم قال الحافظ ابن كثير:: وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة (عمرو بن جامع) ـ من "تاريخه"[4] أن شابًّا كان يتعبَّد في المسجد، فهوِيَته امرأةٌ، فدعته إلى نفسها، وما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾، فخرَّ مغشيًّا عليه، ثم أفاق فأعادها، فمات، فجاء عُمر فعزَّى فيه أباه، وكان قد دُفن ليلا، فذهب فصلىَّ على قبره بمن معه، ثم ناداه عمر، فقال: يا فتى ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن:46]، وأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر، قد أعطانيهما ربي عز وجل في الجنة مرتين؛ اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/3 14) ـ عند حديث ابن عباس، في قصة المرأة ألتي كانت تصرع وتتكشَّف، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب منه الدعاء، قال: وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء، والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين:
أحدهما من جهة العليل: وهو صدق القصد.
والآخر من جهة المداوي: وهو قُوَّة توجهه، وقوة قلبه بالتقوى والتوكل، والله أعلم؛ اهـ.
وقال أيضًا في (10/ 196): ولا خلاف في مشروعية الفزع إلى الله تعالى، والالتجاء إليه في كل ما وقع وما يُتوقَّع؛ اهـ.
قلت: وهذا السبب، وهو الرجوع واللجوء، والخضوع والتذلل، والانطراح والانكسار، والتضرع والإلحاح ونحوها، بين يدي من هو أرحم بعبده من الأم بولدها - هو من أفضل الأسباب، إن لم يكن أفضلها، والله المستعان.
[1] حسنٌ: رواه الحاكم في "المستدرك" (4/ 218), وابن حبان ـ الإحسان ـ برقم (2909), وقد وافق الإمامُ الذهبي الحاكمَ : في تصحيحه.
[2] في "الصحيحين", البخاري برقم (5652), ومسلم (2576), عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[3] (4/ 218).
[4] "تاريخ دمشق" (45/ 450), و"مختصر تاريخ دمشق" لابن منظور (19/ 190 ـ 191).