لم يخلق الله سبحانه و تعالى البشر إلا لهدفٍ و غايةٍ ، و هي عبادة الله سبحانه و تعالى ، و قد قرّر الله سبحانه و تعالى هذه القاعدة بقوله
( و ما خلقت الإنس و الجن إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون ، إنّ الله هو الرّزاق ذو القوّة المتين )، فلم يكن خلق الله للنّاس عبثاً و لم يتركهم هملاً ، قال تعالى ( أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً ، و أنّكم إلينا لا ترجعون ) ، و منذ أن خلق الله سبحانه و تعالى آدم أمر الملائكة بالسّجود له تكريماً لشأنه و تعظيما ، و قد بيّن سبحانه لملائكته أنّه سيجعله خليفته في الأرض ، و علم سبحانه أنّه سيكون من البشر الصّالح كما سيكون بينهم الفاجر و الكافر ، فالإنسان مأمورٌ بعمارة الأرض وفق منهج الله سبحانه و تعالى ، و عبادته على الوجه الأكمل ، و إنّ من تبعات الإيمان التزام أوامر الله و اجتناب نواهيه ، فالمؤمن التّقي الذي يحرص على تحقيق رضا الله سبحانه و تعالى يجتهد في تحصيل ذلك بالعبادة و العمل الصّالح و الاستزادة من الحسنات حتى يحقّق حقيقة الاستخلاف في الأرض ، و إن إقامة المسلم لصلاته و أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر هي من نتائج و ثمار تمكين الله سبحانه لعباده في الأرض ، قال تعالى ( الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة و آتوا الزكاة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر ) .
فالخليفة إذن مأمورٌ بتطبيق شرع الله سبحانه و إقامة حدوده في الأرض ، فقد قال الله سبحانه و تعالى مخاطبا نبيّه داود عليه السّلام ( يا داود إنّا جعلناك خليفةً في الارض ، فاحكم بين النّاس بالحقّ و لا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله ، إنّ الذين يضلّون عن سبيل لهم عذابٌ شديدٌ بما نسوا يوم الحساب ) ، و يستنبط من هذه الآية الكريمة مهمّات الخليفة المسلم ، حيث الحكم بكتاب الله سبحانه ، و الحكم بالعدل بين النّاس ، و حراسة الشّريعة و الأخلاق التي جاء بها ديننا منهاجاً شاملاً يحقّق السّعادة للبشريّة جمعاء .